Tuesday, May 15, 2007

تعلمت منه زيارة الأرواح

تعلمت منه زيارة الأرواح

ولدت مطرودا من بركة مظلمة كنت أعيش فيها تسعة أشهر، أسبح فيها بدلال رغم ضيق المساحة إلا إنني أحصل على ما أريد ،وقد تم تحريري من تلك السلسلة المكبلة في بطني ، أصرخ بشدة لا أعرف لماذا ، قد تكون الأنوار المسفرة الساطعة بشدة على وجهي ، وخروجي لعالم رابع لم أتعود على مساحته الكبيرة بعد ، وحوش في كل مكان يلتقطونني من مكان لآخر ما أغربه شيء يلاحقني من مكان لآخر، حيث دهشت بعدما رأيت كم هائل من أشباه خلقي الصغير بجانبي ولم أكن حتى أميّز نفسي عنهم، فكلنا سواسية مكفنين بكفن أبيض ناعم ما أجمله ، أرجع في سبات عميق في ظلام لا أعرف سبب دخولي فيه ، وفجأة أجد نفسي في ركن دافئ ، وأشعر أنني في هذه اللحظة ألتقط الحنان والعاطفة منه ، أشربهما بشدة ظمآن دون أن أفتح عيني متشبث بهذا المكان الرائع، وكأني مازلت في تلك البركة السابقة التي كنت فيها ، ولا أكتفي بطلب المزيد ، لقد هدأت العاصفة ، وما عاد لأسمع صوت غضب الأمواج المخيفة ، أتأمل بسكون أين وضعوني ، لماذا تركوني لوحد بين جدران شامخة تحيطني في كل مكان ، وبهذا التأمل قد أيقنت إنني أحاول رؤية الأشياء ، فجأة أضحك أرى أنه هناك شيء آخر غير الجدران هي السماء ، أراها قبالة عيني حيث وضعوني لأنام على ظهري . أبكي ، وأبكي بشدة لا أعرف التعبير عن ضيقي في هذا المكان ، يقهرني طريقتهم جعلوني أنام وذراعي داخل لفافة أختنق فيها وأشعر بالضجر منها ، أبكي أريد الحرية ، أريد تحريك ذراعي ، وإذا بي أرى ذراعان ما أكبرهما من جسمي الصغير متوجهة لسحبي للأعلى ، ظننت أنهم سوف يفتحون اللفافة اللعينة ما أكرهها ، ولكنهم يهمسون في أذناي في اليمين تارة واليسار تارة أخرى ، وهكذا من واحد لآخر من هذا الشعب الغفير حولي ، أستغرب سبب فرحتهم الغامرة ومازالت ذراعي داخل هذا التحنيط الأمر الذي فجرني بكاء أمامهم ، أعود لأهوي مرة أخرى داخل تلك الجدران الرفيعة حيث سعدت أنهم خلصوني صدفة لأرى ذراعي الجميلتان ويداي الصغيرتان ولطافت أصابعي الدقيقة ، يوم بعد يوم ، أرى نفسي قد استوعبت كثير من اللغات وأمور قد فكت رموزها ، وبدأت أفهم معنى الوجود ، إلا شيء واحد غريب أدهشني تكراره ، الجدران في كل مكان وأرى السماء والنجوم تتغير ملامحها بين يوم ويوم ، بين شهر وشهر ، بين سنة وأخرى ، وأصبح شيء يلاحقني من جديد مرة أخرى ولا أعرف السبب . يراودني شعور بالروحانية ، ولكن خوفي من زائر يتشبث بروحي ، يجرّها خلسة ، يريدها عنوة ، أتنازع معه مترجيا أن يتركها بسلام لأنعم بالحياة هنيئة .



أدعو الله أن يرفق بهذا البدن الضعيف الذي لا يقوى على شيء في شرقت قطرة من ماء تقتله ضمآن ، أتوسل لله أن يباعدني ذلك الملك وأن يأمره ألا يعزّرني ، إني علمت أنه زائر الأرواح مأمور من الله أن يزورها ، ويأتي الأمر في يوم من الأيام أن تسافر معه عدد من الأرواح من أبدان مختلفة إلى مكان بعيد في السماوات لا يعرفها غير علماء اليقين ، وتصبح أجساد بعد أن كانت أبدان تتحرك وتتيقن ، ويبدأ النقيض لأول يوم من ولادتها حيث كانوا يستبشرون ويفرحون يباركوا بعضهم بعض لمولود أذن فيه ، ويبدؤون بالنحيب والبكاء والعزاء ليصلوا عليه ، والأرواح تراقب أهلها ثلاثة أيام (كما يقولها علماء الدين) ، بعد ذلك تلقى الأرواح مقذوفة إلى أجسادها هاوية، في تلك البركة المظلمة التي ولدت منها لكن من دون ماء ولا دلال بل تنتظرها الرمال ، ومرة أخرى مكان مظلم ولكن من دون سماء وجدران إما تضيق عليها وإما ترحب بها ، وتبدأ لتنتظر زائر أنيس بروحها في غربتها ووحشتها المظلمة لا حنان ولا عاطفة إلا تلك الأبدان التي كانت تعمل الصدقات الجارية ، أو علمّت علم ينتفع به أمتها ، أو إن كانت لديها أولاد صالحين لأن يدعوا لهم .
سبحان الله ، لقد فهمت من هذه القضية في تكرارها العظيم رمز انتظرت طويلا فك شفراته ، وإنها لحكمه من الله حيث قلت : أن الأرواح في حياتها تعيش في غفلة كبرى لغيبة صغرى بينما تعيش أرواح أخرى في غفلة صغرى لغيبة كبرى وتدور هذه المراحل مرة أخرى حول نفسها بأمر من الله جل شأنه وعظم سلطانه حتى يقف الأمر بها في خلد مكتوب لها إما نعيم أو جحيم ، وقد علمت برمز له علاقة بالأرواح من أشرف المرسلين المبعوث رحمة للعالمين (ص وآله) أنه قال:" الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف " ، فرأيت من ذلك أن عدة أمور لزم علينا معرفتها ، منها أن هذه الدنيا مجموعة من الأرواح في أي شيء لها حالاتها وصفاتها وأشكالها وتتشابه في كثير من الأمور إلا في شيء واحد ، وهو كالبصمة لا تتشابه من بصمة لأخرى تتأثر من روح إلى روح على اختلاف أماكنها ومرادها إما بالسلب أو بالإيجاب ، فما أدراك ما ذلك وما أدراك ما زيارة الأرواح.

* * * * * *

أحـــــمـد حـــــمـــد الصـــايـغ 22 / مايو / 2005
Powered By Blogger